نظامنا التعليمي … يجب أن نوجد الشمعة

نظامنا التعليمي … يجب أن نوجد الشمعة


إن النظام التعليمي في مجتمعنا العربي لا يرقى أن يكون اسمه نظام تعليمي، فهو عبارة عن مجموعة معاملات من ثقافات متعددة تم ضربها في خلاط أهوج جعل عاليها سافلها وسافلها عاليها، فجعل من العلم آلة هوجاء بيد من لا يستحقها وأحال العقول من بساطة إبداعها وتفكيرها إلى جهل أطبقت عليه معلومات خاطئة يرسلها جهة وينتحلها جهة أخرى، وزرع عصبيات لا معنى لها، وعادات لا ترقى لأن تكون عادات عرب عوضًا عن عادات إسلام ومسلمين، فنجد العقول قد أعماها الضرر والقلوب قد أعياها المرض، والكتب قد أعيتها الحاجة لعلم يفرح سريرتها، وما هي إلا عبارات جمعت وألفت تأليف الضياع، وضاع من كتابها روح الفن وألقة الإبداع فترى تراكم الأحداث لا عن سبق أفعال ولا روية تخطيط ولا اتقان، وإنما حروف وأرقام تجمع لتملأ صفحات بيضاء لتقتل عقلا وهبه الله لطفل رعاه المنان؛ فيخرج مجتمعا قد اسرف خطواته ونسي الاعتبار، وعرف ساقط متهاوى لا يقود إلا لضرر وبهتان.

من ركام هذا الضياع كان لا بد من وجود أمل أو شمعة لتضاء، ولكن للأسف لا وجود للشمعة لكي نضيئها وسط هذا الظلام، فقررنا أن نصنع شمعة جديدة نضيء بها ظلامنا الطويل المتمادي على حد قلوبنا وعقولنا حتى اكفتنا الجرعات من القهر والغلب.

عند التفكر في غاية العلم ووظيفته نجد أن العلم ما هو إلا لينقذ المجتمعات من ضلالها ويضع للبشر سلسلة من الحبال التي تخرجهم من ضياعهم لتوصلهم إلى تقدمهم وازدهارهم؛ نعم فهذه هي الوظيفة الوحيدة للعلم والمتعلمين، وما العلم بالادعاء له ولا بالقول بالعلم فيه، وإنما العلم علم لأنه يعلم الطريق وينيرها ويهذبها أشد تهذيب.

إن أول طريق يجب أن يخط في سبيل إصلاح التعليم، لا بد أن يكون في إصلاح اللغة العربية؛ لأنها لن تقوم أبدًا أي حضارة دون وجود لغة تدعمها وترسي معانيها، فهذه أول خطوة، أما الخطوة الثانية فهي الإيمان بما يملك العرب من قدرة، فإذا كنا نعلم بأن العقول العربية لا تختلف عن أي عقل في العالم من غيرهم من الأجناس، فمن الأولى أن ندفع بعباقرتنا للأعلى وننزل سفلتنا للأسفل، فهذا هو الحق والمنطق الذي يجب أن تسير عليه الاشياء، فيعطي كل ذي عقل وحق حقه من الاحترام والتقدير، لا بأن يكون رجل في السلطة السياسية أعلى من رجل علم وبحث ونظر في نفس الدولة، فهذا والله لهو الخلق المهين والضياع المبين.

إن عملية إنشاء أي نظام تعليمي تتطلب فقهًا وحسًا عاليًا بروح المجتمع الذي ينشأ فيه، ومراعاة حاجات المجتمع الأولى والأخيرة، وأن يكون كالدائرة لا انفصام بينه وبين حلقات المجتمع، فيكون من يعيش داخل النظام كمن يعيش خارجه، فنواتج المجتمع داخل نظام التعليم، ونواتج التعليم تصب في بوتقة المجتمع.

أقول: هذه بعض كلمات من قلبي أحببت أن أخرجها ولم أنهج في الكتابة هذه المرة أسلوب الكتابة العلمية لأن ذلك يحتاج إلى مزيد تفصيل وبيان ولن يكفي مقال كهذا أن يجمع بين طياته كل إصلاح للنظام التعليمي، ولكن هذا ما أحببت أن أطرحه بعجالة، وحق لمن أراد أن يعترض علي…


تعليقاتكم، ما أعجبكم وما تريدون